كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



بذلك يتعلم الدعاة إلى الله أن يتأدبوا في حق الله! إنه ليس لهم أن يستعجلوا النتائج والمصائر.. ليس لهم أن يستعجلوا هداية الناس، ولا أن يستعجلوا وعد الله ووعيده للمهتدين وللمكذبين.. ليس لهم أن يقولوا: لقد دعونا كثيراً فلم يستجب لنا إلا القليل؛ أو لقد صبرنا طويلاً فلم يأخذ الله الظالمين بظلمهم ونحن أحياء!.. إنْ عليهم البلاغ.. أما حساب الناس في الدنيا أو في الآخرة فهذا ليس من شأن العبيد. إنما هو من شأن الله! فينبغي تأدباً في حق الله واعترافاً بالعبودية له أن يترك له سبحانه، يفعل فيه ما يشاء ويختار..
والسورة مكية.. من أجل ذلك تحدد فيها وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ.. ذلك أن الجهاد لم يكن بعد قد كتب. فأما بعد ذلك فقد أمر بالجهاد بعد البلاغ وهذا ما تنبغي ملاحظته في الطبيعة الحركية لهذا الدين. فالنصوص فيه نصوص حركية؛ مواكبه لحركة الدعوة وواقعها؛ وموجهة كذلك لحركة الدعوة وواقعها.. وهذا ما تغفل عنه كثرة الباحثين في هذا الدين في هذا الزمان. وهم يزاولون البحث ولا يزاولون الحركة فلا يدركون من ثم مواقع النصوص القرآنية، وارتباطها بالواقع الحركي لهذا الدين!
وكثيرون يقرأون مثل هذا النص: {إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} ثم يأخذون منه أن مهمة الدعاة إلى الله تنتهي عند البلاغ. فإذا قاموا بالتبليغ فقد أدوا ما عليهم!.. أما الجهاد! فلا أدري والله أين مكانه في تصور هؤلاء!
كما أن كثيرين يقرأون مثل هذا النص، فلا يلغون به الجهاد، ولكن يقيدونه!.. دون أن يفطنوا إلى أن هذا نص مكي نزل قبل فرض الجهاد. ودون أن يدركوا طبيعة ارتباط النصوص القرآنية بحركة الدعوة الإسلامية. ذلك أنهم هم لا يزاولون الحركة بهذا الدين؛ إنما هم يقرأونه في الأوراق وهم قاعدون! وهذا الدين لا يفقهه القاعدون. فما هو بدين القاعدين!
على أن البلاغ يظل هو قاعدة عمل الرسول، وقاعدة عمل الدعاة بعده إلى هذا الدين.
وهذا البلاغ هو أول مراتب الجهاد. فإنه متى صح، واتجه إلى تبليغ الحقائق الأساسية في هذا الدين قبل الحقائق الفرعية.. أي متى اتجه إلى تقرير الألوهية والربوبية والحاكمية لله وحده منذ الخطوة الأولى؛ واتجه إلى تعبيد الناس لله وحده، وقصر دينونتهم عليه وخلع الدينونة لغيره.. فإن الجاهلية لابد أن تواجه الدعاة إلى الله، المبلغين التبليغ الصحيح، بالإعراض والتحدي، ثم بالإيذاء والمكافحة.. ومن ثم تجئ مرحلة الجهاد في حينها، نتاجاً طبيعياً للتبليغ الصحيح لا محالة {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً} هذا هو الطريق.. وليس هنالك غيره من طريق!
ثم نقف من السورة أمام معلم آخر، وهي تقرر كلمة الفصل في العلاقة بين اتجاه الإنسان وحركته وبين تحديد مآله ومصيره؛ وتقرير أن مشيئة الله به إنما تتحقق من خلال حركته بنفسه؛ وذلك مع تقرير أن كل حدث إنما يقع ويتحقق بقدر من الله خاص.. ومجموعة النصوص الخاصة بهذا الموضوع في السورة كافية بذاتها لجلاء النظرة الإسلامية في هذه القضية الخطيرة.. وهذه نماذج منها كافية:
* {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال}..
* {للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد}..
* {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}..
* {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً}..
* {بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد}..
وواضح من النص الأول من هذه النصوص أن مشيئة الله في تغيير حال قوم إنما تجري وتنفذ من خلال حركة هؤلاء القوم بأنفسهم، وتغيير اتجاهها وسلوكها تغييراً شعورياً وعملياً. فإذا غير القوم ما بأنفسهم اتجاهاً وعملاً غير الله حالهم وفق ما غيروا هم من أنفسهم.. فإذا اقتضى حالهم أن يريد الله بهم السوء مضت إرادته ولم يقف لها أحد، ولم يعصمهم من الله شيء، ولم يجدوا لهم من دونه ولياً ولا نصيراً.
فأما إذا هم استجابوا لربهم، وغيروا ما بأنفسهم بهذه الاستجابة، فإن الله يريد بهم الحسنى، ويحقق لهم هذه الحسنى في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما جميعاً، فإذا لم يستجيبوا أراد بهم السوء، وكان لهم سوء الحساب، ولم تغن عنهم فدية إذا جاءوه غير مستجيبين يوم الحساب!
وواضح من النص الثاني أن الاستجابة أو عدم الاستجابة راجعة إلى اتجاههم وحركتهم؛ وأن مشيئة الله بهم إنما تتحقق من خلال هذه الحركة وذلك الاتجاه.
أما النص الثالث فإن مطلعه يتحدث عن طلاقة مشيئة الله في إضلال من يشاء. ولكن عقب النص: {ويهدي إليه من أناب...} إلخ يقرر أن الله سبحانه يقضي بالهدى لمن ينيب إليه؛ فيدل هذا على أنه إنما يضل من لا ينيب ومن لا يستجيب، ولا يضل منيباً ولا مستجيباً. وذلك وفق وعده سبحانه في قوله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} فهذه الهداية وذلك الإضلال هما مقتضى مشيئته سبحانه بالعباد. هذه المشيئة التي تجري وتتحقق من خلال تغيير العباد ما بأنفسهم، والاتجاه إلى الاستجابة أو الإعراض.
والنص الرابع يقرر أن الله لو شاء لهدى الناس جميعاً.. وفي ظل مجموع النصوص يتضح أن المقصود هو أنه لو شاء سبحانه لخلق الناس باستعداد واحد للهدى، أو لقهرهم على الهدى. ولكنه سبحانه شاء أن يخلقهم كما خلقهم مستعدين للهدى أو للضلال؛ ولم يشأ بعد ذلك أن يقهرهم على الهدى ولا أن يقهرهم على الضلال حاشاه! إنما جعل مشيئته بهم تجري من خلال استجابتهم أو عدم استجابتهم لدلائل الهدى وموحيات الإيمان.
أما النص الخامس فيقرر أن الذين كفروا زُين لهم مكرهم وصُدوا عن السبيل.. وأخذ أمثال هذا النص بمفرده هو الذي ساق إلى الجدل المعروف في تاريخ الفكر الإسلامي حول الجبر والاختيار.. أما أخذه مع مجموعة النصوص كما رأينا فإنه يعطي التصور الشامل: وهو أن هذا التزيين وهذا الصد عن السبيل، إنما كان من جراء الكفر وعدم الاستجابة لله. أي من جراء تغيير الكفار ما بأنفسهم إلى ما يقتضي أن تجري مشيئة الله فيهم بالتزيين والصد والإضلال.
وتبقى تكملة لابد منها لجلاء هذا الموضوع الذي كثر فيه الجدل في جميع الملل.. ذلك أن اتجاه الناس بأنفسهم لا يوقع بذاته مصائرهم. فهذه المصائر أحداث لا ينشئها إلا قدر الله؛ وكل حادث في هذا الكون إنما ينشأ ويقع ويتحقق بقدر من الله خاص؛ تتحقق به إرادته وتتم به مشيئته: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} وليست هنالك آلية في نظام الكون كله، ولا حتمية أسباب تنشئ بذاتها آثاراً. فالسبب كالأثر كلاهما مخلوق بقدر.. وكل ما يصنعه اتجاه الناس بأنفسهم هو أن تجري مشيئة الله بهم من خلال هذا الاتجاه، أما جريان هذه المشيئة وآثاره الواقعية فإنما يتحقق بقدر من الله خاص بكل حادث: {وكل شيء عنده بمقدار} وهذا التصور كما أسلفنا عند مواجهة النص في سياق السورة يزيد من ضخامة التبعة الملقاة على هذا الكائن الإنساني؛ بقدر ما يجلو من كرامته في نظام الكون كله. فهو وحده المخلوق الذي تجري مشيئة الله به من خلال اتجاهه وحركته.
وما أثقلها من تبعة! وما أعظمها كذلك من كرامة!
وفي السورة كلمة الفصل كذلك في دلالة الكفر وعدم الاستجابة لهذا الحق الذي جاء به هذا الدين، على فساد الكينونة البشرية، وتعطل أجهزة الاستقبال الفطرية فيها، واختلال طبيعتها وخروجها عن سوائها. فما يمكن أن تكون هناك بنية إنسانية سوية، غير مطموسة ولا معطلة ولا مشوهة؛ ثم يعرض عليها هذا الحق، ويبين لها بالصورة التي بينها المنهج القرآني؛ ثم لا تستجيب لهذا الحق بالإيمان والإسلام. والفطرة الإنسانية بطبيعتها مصطلحة على هذا الحق في أعماقها؛ فإذا صُدت عنه فإنما يصدها صاحبها لآفة تجعله يختار لنفسه غير هذا الهدى؛ وتجعله بذلك مستحقاً للضلال، ومستحقاً للعذاب، كما قال الله سبحانه في السورة الأخرى؛ {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين} وفي هذه السورة ترد أمثال هذه الآيات الدالة على طبيعة الكفر فتقرر أنه عمىً وانطماس بصيرة، وأن الهدى دلالة على سلامة الكينونة البشرية من هذا العمى، ودلالة على سلامة القوى المدركة فيها؛ وأن في صفحة هذا الكون من الدلائل ما يبين عن الحق لمن يتفكرون ولمن يعقلون:
* {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار...}.
* {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب}..
{وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} وهكذا يتقرر أن الذين لا يستجيبون لهذا الحق هم بشهادة الله سبحانه عُمْي. وأنهم لا يتفكرون ولا يعقلون. وأن الذين يستجيبون له هم أولو الألباب، وهؤلاء تطمئن قلوبهم بذكر الله، وتتصل بما هي عارفة له ومصطلحة عليه بفطرتها العميقة، فتسكن وتستريح.
وإن الإنسان ليجد مصداق قول الله هذا في كل من يلقاه من الناس معرضاً عن هذا الحق الذي تضمنه دين الله، والذي جاء به في صورته الكاملة محمد رسول الله.
فإن هي إلا جبلات مؤوفة مطموسة. وإن هي إلا كينونات معطلة في أهم جوانبها بحيث لا تتلقى إيقاعات هذا الوجود كله من حولها، وهو يسبح بحمد ربه؛ وينطق بوحدانيته وقدرته وتدبيره وتقديره.
وإذا كان الذين لا يؤمنون بهذا الحق عُمياً بشهادة الله سبحانه فإنه لا ينبغي لمسلم يزعم أنه يؤمن برسول الله، ويؤمن بأن هذا القرآن وحي من عند الله.. لا ينبغي لمسلم يزعم هذا الزعم أن يتلقى في شأن من شؤون الحياة عن أعمى! وبخاصة إذا كان هذا الشأن متعلقاً بالنظام الذي يحكم حياة الإنسان؛ أو بالقيم والموازين التي تقوم عليها حياته؛ أو بالعادات والسلوك والتقاليد والآداب التي تسود مجتمعه..
وهذا هو موقفنا من نتاج الفكر غير الإسلامي بجملته فيما عدا المادية البحته وتطبيقاتها العملية مما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» فإنه ما ينبغي قط لمسلم يعرف هدى الله ويعرف هذا الحق الذي جاء به رسول الله، أن يقعد مقعد التلميذ الذي يتلقى من أي إنسان لم يستجب لهذا الهدى ولم يعلم أنه الحق.. فهو أعمى بشهادة الله سبحانه.. ولن يرد شهادة الله مسلم.. ثم يزعم بعد ذلك أنه مسلم!!!
إنه لابد لنا أن نأخذ هذا الدين مأخذ الجد؛ وأن نأخذ تقريراته هذه مأخذ الجزم.. وكل تميع في مثل هذه القضية هو تميع في العقيدة ذاتها؛ إن لم يكن هو رد شهادة الله سبحانه وهو الكفر البواح في هذه الصورة!
وأعجب العجب أن ناساً من الناس اليوم يزعمون أنهم مسلمون؛ ثم يأخذون في منهج الحياة البشرية عن فلان وفلان من الذين يقول عنهم الله سبحانه: إنهم عمي. ثم يظلون يزعمون بعد ذلك أنهم مسلمون!
إن هذا الدين جد لا يحتمل الهزل، وجزم لا يحتمل التميع، وحق في كل نص فيه وفي كل كلمة.. فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فما أغنى هذا الدين عنه. والله غني عن العالمين!
وما يجوز أن يثقل الواقع الجاهلي على حس مسلم، حتى يتلقى من الجاهلية في منهج حياته؛ وهو يعلم أن ما جاءه به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق؛ وأن الذي لا يعلم أن هذا هو الحق {أعمى}. ثم يتبع هذا الأعمى، ويتلقى عنه، بعد شهادة الله سبحانه وتعالى..
وأخيراً نقف أمام المعلم الأخير من المعالم التي تقيمها هذه السورة لهذا الدين..
إن هناك علاقة وثيقة بين الفساد الذي يصيب حياة البشر في هذه الأرض وبين ذلك العمى عن الحق الذي جاء من عند الله لهداية البشر إلى الحق والصلاح والخير.
فالذين لا يستجيبون لعهد الله على الفطرة، ولا يستجيبون للحق الذي جاء من عنده ويعلمون أنه وحده الحق.. هم الذين يفسدون في الأرض؛ كما أن الذين يعلمون أنه الحق ويستجيبون له هم الذين يصلحون في الأرض، وتزكو بهم الحياة:
* {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار..}..
* {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}..
إن حياة الناس لا تصلح إلا بأن يتولى قيادتها المبصرون أولو الألباب الذين يعلمون أن ما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق. ومن ثم يوفون بعهد الله على الفطرة، وبعهد الله على آدم وذريته، أن يعبدوه وحده، فيدينوا له وحده، ولا يتلقوا عن غيره، ولا يتبعوا إلا أمره ونهيه. ومن ثم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم فيخافون أن يقع منهم ما نهى عنه وما يغضبه؛ ويخافون سوء الحساب، فيجعلون الآخرة في حسابهم في كل حركة؛ ويصبرون على الاستقامة على عهد الله ذاك بكل تكاليف الاستقامة؛ ويقيمون الصلاة؛ وينفقون مما رزقهم الله سراً وعلانية؛ ويدفعون السوء والفساد في الأرض بالصلاح والإحسان..
إن حياة الناس في الأرض لا تصلح إلا بمثل هذه القيادة المبصرة؛ التي تسير على هدى الله وحده؛ والتي تصوغ الحياة كلها وفق منهجه وهديه.. إنها لا تصلح بالقيادات الضالة العمياء، التي لا تعلم أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وحده؛ والتي تتبع من ثم مناهج أخرى غير منهج الله الذي ارتضاه للصالحين من عباده.. إنها لا تصلح بالإقطاع والرأسمالية، كما أنها لا تصلح بالشيوعية والاشتراكية العلمية!.. إنها كلها من مناهج العُمْي الذين لا يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو وحده الحق، الذي لا يجوز العدول عنه، ولا التعديل فيه.. إنها لا تصلح بالثيوقراطية كما أنها لا تصلح بالديكتاتورية أو الديمقراطية! فكلها سواء في كونها من مناهج العُمي، الذين يقيمون من أنفسهم أرباباً من دون الله، تضع هي مناهج الحكم ومناهج الحياة، وتشرع للناس ما لم يأذن به الله؛ وتعبدهم لما تشرع، فتجعل دينونتهم لغير الله.